Select Language
EN  |  UR  |  AR



    قائمة سریعة  

 

حجة الإسلام الإمام محمد قاسم النانوتوي رحمه الله

مؤسس الجامعة الإسلامية دار العلوم ويوبند

هو الشيخ الإمام حجة الإسلام محمد قاسم بن أسد علي الصديقي النانوتوي، أحد العلماء الربانيين، وُلد عام 1248ﻫ ببلدة "نانوتة" بمديرية "سهارنفور" بولاية "أترابراديش"، الهند، وتُوفي عام 1297ﻫ، وتلمذ على الشيخ مملوك علي النانوتوي (المتوفى عام 1267ﻫ)، وقرأ عليه سائر الكتب الدراسية بكل روية وتدبر، وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الغني المجددي الدهلوي (المتوفى سنة 1296ﻫ).

كان واحداً من عباقرة الفكر الإسلامي، وأفذاذ الهمة والعزيمة والطموح، الذين عرفهم التاريخ بأصالة ثقافتهم وغزارة علمهم وثقوب فكرتهم ووضوح رؤيتهم وصلابة موقفهم وضخامة مآثرهم وحسن بلائهم في نصرة الدين والذود عن حياضه وخدمة الدين والعلم والأدب.

كان من أساطين النهضة الإسلامية في الهند الذين يرجع إليهم الفضل في الإبقاء على الشريعة الإسلامية في شكلها الصحيح في الديار الهندية؛ فقد ولد في عصر متأزم موبوء من كلتا الناحيتين: الناحية السياسية والناحية الدينية.

 أما الناحية السياسية فقد شاهد أن الحكم الإسلامي المتمثل في الإمبراطورية المغولية العظمى قد أزيل من الساحة، وأن الاحتلال الإنجليزي أحكم سيطرته في البلاد، يعبث بخيراتها، ويمتص ثرواتها، ويحصد أرواحها، والاحتلال عازم مع هذابشكل جدي على اجتثاث جذور الإسلام من القلوب المسلمة، وذلك عن طريق الحملات التبشيرية الضخمة التي هبَّتْ تعمل على تنصير المسلمين، وتزرع الشكوك في قلوبهم عن المبادئ الإسلامية استغلالاً لضعفهم السياسي والاقتصادي وجهالتهم المتفشية.

أما التأزم الديني في ذلك العصر فحدِّث عن البحر ولاحرج؛ كان المجتمع الإسلامي الهندي عاراً على الإسلام، غارقاً في البدع والمنكرات، مولعاً بالرسوم الشركية؛ بل كان أشبه ببؤرة الإلحاد، ومستنقع الوثنية؛ مما يخيل إلى أولي البصيرة أن الهند ستؤول إلى ما آلت إليه الأندلس.

ففي هذا العصر برز الإمام النانوتوي ورفقاؤه لا كعالم عادي وواعظ رسمي؛ بل كمدفع للتوحيد وجبل للعقيدة ورجل للمواقف وإمام مجاهد بسيفه ولسانه وقلمه.

قاد حركة التحرير، والثورة على الاحتلال الإنجليزي في معركة "شاملي" العظيمة، الشهيرة من بين المعارك الثورية ضد الاحتلال.

وكان حجة الإسلام منظورًا إليه في مقاومة الأفكار الهدامة، فقد تصدَّى للرد على أساقفة الهندوس وأحبار النصارى، فناظرهم، وقطع ألسنتهم، وأظهر عوراتهم، وأقام عليهم الحجة، فأصبحوا يفرون من ساحة المناظرة بمحض سماع نبأٍ يفيد حضوره.

كان غزير العلم، بليغ العبارة، فاض قلمه بكتب علمية دقيقة، فنَّدت الشبهات، وأوضحت المحجة البيضاء.

جعل أمر الحفاظ على الشريعة الإسلامية داء قلبه وأمنية حياته، فألهم الله في رُوْعه أن إنشاء المدرسة التي تقود الحركة العلمية، وتربي الأجيال المسلمة على أسس سليمة، يُحَقِّق هذا الغرض العظيم، فأسس الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند متوكلاً على الله سبحانه، وقد بارك الله في هذه الجامعة؛ حيث أصبحت في مدةٍ قليلةٍ معقلاً إسلاميًّا عظيمًا، ومركزًا تعليميًّا وتوجيهيًّا كبيرًا، فقد نشطتْ هنا حركةُ التعليم والتأليفِ والإصلاح بشكلٍ غيرِ عادي، فأثمرتْ ثمارًا يانعة ونتاجاً فكرياً خارقاً للعادة، وأنجبت فحولاً جهابذة، وشيوخاً عباقرة، ومحدثين عظاماً، ودعاة مخلصين، وخطباء مصاقع، ورجال الفكر والدعوة، ومؤلفين بارعين، ممن أيقظوا الأمة من سبات عميق، وأثروا المكتبات الإسلامية بمؤلفات قيِّمات، وملأوا العالم علمًا وهدى.

فيالها من جامعة عظيمة حافظت على الدين في وقت حرج، وأنجبت أعلاماً عند ما أصاب الأمةَ العقم الفكري والكسوف العلمي.

ورحمه الله من إمام جليل وقف حياته على خدمة الدين الحنيف، تعب لتستريح الأمة، وسهر لينام المسلمون، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.